"على الرغم من أننا لا نستطيع إعادة التاريخ إلى الوراء والبدء من جديد، فكل واحد بوسعه البدء الآن وخلق نهاية جديدة". (كارل بيرد)
النصف الأول من العام الدراسي على وشك الإنتهاء، وفي نهايته ستوزع على أطفالكم شهادات نصف السنة، وهي الشهادة التي ينتظرها كل تلميذ وولي أمر. ومن الطبيعي أن يشعر ابناؤكم بالتوتر والتوقعات مع اقتراب هذا الموعد، توتر قسم منهم نابع من الأمل والفرحة والقسم الآخر قَلِقٌ ويخشى النتائج، وكذلك يخشون من ردة فعلكم من هذه النتائج.
تنبع خيبة الأمل بالأساس نتيجة لأن أغلبنا يشعرون أن العلامات في الشهادة تعكس ليس فقط وضع التلميذ في تحصيله العلمي وإنما ربما تعكس نجاحه المستقبلي. فريقٌ منّا يشعر أن "العلامة في الشهادة هي الطفل" ولذلك فإن أهمية العلامة تزداد وتزداد، وتتحول الشهادة في أحيان كثيرة إلى الدافع الأساسي للتعلُّم.
أنواعٌ مختلفةٌ من التحفيز "الدافع"
يُحدد علماء النفس عمليات التحفيز كعمليات مرتبطة في إيقاظ، توجيه، ضبط أو الكف عن تصرفات معينة. فإن الدافع هو مبنى نظري نستخدمه لكي نفسر أسباب تصرف الآخرين. فهذه عملية تشرح كيفية استجابة الشخص للحاجة أو الرغبة العامة ويبدأ سلسلة عمليات مفيدة لإحراز هذه الحاجة.
التعلم، الذي يشمل استيعابا واكتسابا للمعرفة، في كل مجال، يمكن تحقيقه بمساعدة دافعين أساسيين: الدافع الخارجي (Extrinsic) والدافع الداخلي (Intrinsic).
الدافع الخارجي – هو دافع مصدره عامل خارجي للطفل، عامل يشكل إحرازه الحاجة الأساسية وليس جوهر التعلم. مثال ذلك، التعلم من أجل إحراز جائزة أو من أجل تجنب العقاب، وكذلك التعليم من أجل إحراز مكانة (شهادة تأهيل وما شابه). المحفِّز الخارجي هو تصرفٌ إجباري يهدف إلى تحقيق عوائد ملموسة أو تجنب العقاب وهو مصحوب بشعور من الإكراه والإجبار. ومن المفروغ منه أن دافعا كهذا، يكون فيه هدف التعلُّم ثانويا، فهو لا يصمد زمنا طويلا من جهة، وكذلك فإن هذا التعلم غير معدٍ لإستيعاب العلم من جهة أخرى. فهذا الدافع يُنتج نوعا من التعلم التقني (تعلم البصم من غير فهم)، من دون التركيز على فهم الموضوع الجاري تعلمه، تعلُّمٌ من دون فائدة.
الدافع الداخلي – دافعٌ مصدرهُ داخلي، في الطفل نفسه، في رغبته بالتعلم والفهم، في اهتمامه وفضوله الداخلي. هذا المحفِّز غير منسوب لحاجة خارجية، وإنما يدرس الطفل لأنه يرغب في التعلم وليس لأنه مجبر. الدافع الداخلي هو تصرف مُحفَّز يهدف الى تحقيق الشعور بالقدرة والسيطرة على الوضع. محفِّز يشمل الفضولَ والبحثِ عن التحديات والفرص للتميز، ومصحوب بشعور من الاختيار الحر، الدافع الداخلي هو عنصر من النشاط ذاته. فمن المفهوم ضمنا أن العلم الذي يكتسب بمساعدة دافع داخلي يستمر طويلا وينتج تعلما ذا معنى، تعلما راسخا. إن هدفنا الأساسي هو الوصول إلى وضع يتعلم فيه الطفل من خلال دافع داخلي، وبذلك يبحث عن المعنى في التعلُّم ويهتم به وبالمدرسة.
كيف نجشع الدافع الداخلي، بحيث يشد طفلنا للتعلُّم؟

- أظهروا اهتماما بجميع عملية التعلُّم، وليس فقط بنهايتها (العلامة) – تتبعوا تقدم الطفل في التعلم على مدار السنة، تحدثوا معه في مواضيع التعلم وأبدوا اهتماما بها، عبروا عن فرحتكم أو خذلانكم المتواضع فقط عن النجاح أو الرسوب في الامتحانات، فالامتحانات ليست الأساس.
- استخدموا المثال الشخصي – يوصى أولياء الأمور بإبداء الفضول وتطوير مجالات اهتمام خاصة، ان يتعلموها ويبذلوا بها وقتا وطاقة. هكذا يكون بوسعهم ان يظهروا لابنائهم ان التعلم ذو المعنى هو تعلم نابع من الاهتمام وليس الاجبار، وهو مهم أيضا، فهو مثير للاهتمام وطويل الأجل.
- تجنبوا الإفراط في تعزيز العلاقة بين العلامة في الشهادة والتعلم - أظهروا لإبنكم أنكم وإن كنتم تهتمون في تحصيله الرقمي (العلامات) لكن أبدوا فضولا وفرحا بالتعلم الذي يبديه. لا تحولوا الفرح من العلامة العالية أو الخذلان من العلامة المنخفضة إلى الأساس، أبدوا له أن المهم هو "فرح التعليم" وذلك لكي لا يطور خوفا من التعلم في المستقبل. تجنبوا تحويل التعلم النظامي في المدرسة الى هدف أسمى (يوصى بعدم ربط العلامات بالمدرسة لتكون سببا للإلتحاق في دورات الإثراء وما شابه).
- حافظوا على اتصال مع مربي / مربية الصف – أبدوا اهتماما بعملية التعليم التي تتم في الصف: مواضع التعلم، طرق التعليم، برامج التعليم، المشاريع في المدرسة وما إلى ذلك، وكذلك وضع إبنكم الإجتماعي. أبدوا توجها استكشافيا إيجابيا تجاه المدرسة وما يُدَرَّسُ بِها.
- حافظوا على اتصال مع ابنكم/ ابنتكم – إبنكم هو الأساس (حالته النفسية، سعادته) وليس كيفية تصنيفه في لائحة العلامات، أو توسيطه في الصف. إبداء الخذلان من ذلك من شأنه أن "يغلق الإتصال" مع الطفل ومنعه من إخباركم عن تجاربه، مخاوفه وخذلاناته، ما يشكل وضعا يبقيه وحيدا على الساحة. حاولوا قدر الإمكان تطوير حوار مع ابنكم عن وضعه في المدرسة، حوار عن صعوباته وحاجاته، افعلوا ذلك قدر الامكان دون أن تظهروا تدخلا عاطفيا أقوى من اللازم (حافظوا على ضبط النفس)
- أتيحوا تعليما ذاتيا في البيت – أتيحوا لابنكم تطوير اهتمام بمواضيع ليست مرتبطة بالمدرسة، أو تحبونها أنتم أو لا تُلِمُّونَ بها. اتيحوا له تطوير مسار اهتمامه الشخصي، وعليكم كذلك الاستثمار في ذلك ماديا ومعنويا (مرافقة، نقليات وما شابه).
- تذكروا أن ابنكم محتاج اليكم بصورة كبيرة حين يواجه صعوبة، عندما يكون محبطا أو يواجه خذلانا نفسيا، حين يخيل له أنكم غير راضين عنه. في هذه الساعات وبشكل خاص امنحوه الدعم وأبدوا له مدى شعبيته بينكم.
- إربطوا ما يتعلم في المدرسة بشكل عملي بالحياة العائلية والطفل.
كتبه مئير بوخنر من قسم خدمة الاستشارة النفسي